جاب يييير
عابر سييل
ليس عنوان واحدة من الماركات العالمية ولا خطأ مطبعيا ولا كلمة عربية غاب عنك معناها . إنما هي كما هي "جاب يير " كلمة إنجليزية gap year .تعبير تعرفه الأجيال الشابة ممن تربوا في مدارس التعليم الغربي . التقط أنفاسك قبل أن تأخذك الأفكار المسبقة إلى أننا سنتحدث هنا عن عفريت التعليم الأجنبي وغزو العقول ...الخ فذلك مبحث آخر خاصة أن هناك من يرى أن عقولنا المدرسية قد تعرضت للغزو المحلي قبل أن تتعرض للغزو الأجنبي . عموما ليس هذا هو مبحثنا. جاب يير او gap year تعني سنة مستقطعة من مسيرة التعليم لفعل أي شيء آخر غير مسيرة التعليم "المقدس" التي تربت عليها أجيال المنطقة العربية ممن تجاوزوا الان الخمسينات أوالأربعينات على الأقل. بالنسبة لهذه الاجيال ذات الشعر الأبيض أو التي أخذ الشيب يغزوها فإن استقطاع اي وقت من مسيرة التعليم هو من الكبائر الدنيوية ، هكذا تربت . فالتعليم في ثقافة هذه الأجيال هو طريق ذو اتجاه واحد لا استراحات فيه. ودرة النهاية أن تصبح طبيبا أو مهندسا . إذا فأنت بلغت العلا ولامست السحاب وبوسعك أن تموت مرتاح الضمير.مفاهيم بالية تصطدم على الفور بمفهوم ال " جاب يير" ولا يعني ذلك أن ال " جاب يير " فضيلة في ذاتها فقد تتوقف عن الدراسة لعام كامل لتنام في البيت او تهدر وقتك بعشرات الطرق لكن ان تكون ال gap year على طريقة حافظ شعيب فذلك شأن اخر .التقيته ذات بوم في واحدة من الرحلات الدعوية وكعادة أهل باكستان فإن اسم حافظ هو في العادة صفة وليس اسما بمعنى انه حافظ للقران. بفضول سألت حافظ شعيب، وهو رجل في نهاية العشرينات أو بداية الثلاينات من العمر ، عما إذا كان حافظا من الحفظ أم أنه حافظ على مذهب التسميات العربية فأجاب بأنه حافظ والحمد لله وبمزيد من الفضول سألته عن رحلته مع حفظ القرآن الكريم منذ الصغر. فبين لي أنه لم يحفظه صغيرا بل إنه بعد الدراسة الثانوية قرر أخذ اثنتين من ال" جاب يير" ليدخل مدرسة لتحفيظ القرآن" لم تكن لديه أي نية ليصبح إماما أو شيخا أو وظيفة تحمل أي حيثية دنيوية وتتطلب الحفظ . كان ينوي دراسة الهندسة وهو ما حدث لاحقا وصار مهندسا ناجحا والحمد لله. لكنه بعد الشهادة الثانوية وجد أنه بحاجة لأن يتم أساس دينه ، فكيف لمسلم أن يواصل حياته دون أن يتعرف على الرسالة التي بعث بها ربه إليه ليطبقها في حياته . وكيف له أن يؤخر ذلك. اختار شعيب أن يمنح الثور الذي يحرك الساقية بعض الراحة ، أن ينزع الغمامة عن عينيه ، أن يطلق سراح روحه لتتعرف بجدية على ما خلقت له ، بعدها تعود لتستأنف الحياة على أسس واضحة فتستخدم الحياة لا تستخدمها الحياة وتستخدم الهندسة لا تستعبدها الهندسة.اختار شعيب ليس "جاب يير " واحدة بل " جاب ييرين" . اختار استقطاع سنتين من عمره بعد الشهادة الثانوية لضبط العلاقة مع ربه رغم علمه بأن الجامعات في باكستان تخصم نسبة من درجات الشهادة الثانوية عن كل سنة مستقطعة " جاب يير" . وبالطبع لم يتركه ربه فلما أراد استئناف الدراسة والالتحاق بالجامعة وجد بندا يمنح ممارسي أنشطة معينة درجات إضافية ومن هذه الأنشطة حفظ القران . وكان مقدار الدرجات التي يحصل عليها بسبب النشاط معادلا تماما للدرجات التي فقدها بسبب توقفه عن الدراسة لعامين. وهل خذل الله سبحانه وتعالى لاجئا إليه من قبل ليخذل الحافظ شعيب. شعيب الان مهندس ناجح وزوج ناجح وأب ناجح وداعية ناجح ولعل ال " جاب ييرين " تكونان من أثقل ما يجد في ميزان حسناته يوم القيامة . والسؤال الان كم منا قادرون على قرار مثل هذا لأنفسهم او لأولادهم . متى سنأخذ السنة المستقطعة او البضعة شهور المستقطعة أو البضعة أسابيع المستقطعة أو حتى البضعة أيام المستقطعة لنعيد النظر في مآلات طاحونة الحياة . تحتاج الأرض المزروعة للسقاية صحيح، لكن إن فتح الله على المرء فلعله يهديه إلى أساليب جديدة للرى عوض عن فكرة الثور الدوار
